سجود السهو عند المالكية

سجود السهو عند السادة المالكية*

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وبعد:
فإن الله تبارك وتعالى فرض الصلاة في كتابه على المكلفين من عباده فرضاً مجملاً، وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم صفة فعلها، والحكم عند السهو فيها أو عن شيء منها قولاً وعملاً، لأن الله تبارك وتعالى كان ينسيه في صلاته ليسن لأمته، وقد حفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه سها في الصلاة في أربعة مواضع:
1- قام من اثنتين، وأسقط الجلسة فلم يرجع إليها وسجد سجدتي السهو قبل السلام.
2- وسلم من ركعتين، فكلمه في ذلك ذو اليدين فرجع إلى بقية صلاته وسجد سجدتي السهو بعد السلام.
3- وصلى خامسة فسجد بعد السلام لسهوه.
4- وأسقط آية من سورة البقرة فلم يسجد لسهوه.**
السجود، وفيه ست مسائل:
(المسألة الأولى)
في محل السجود يسجد للنقصان قبل السلام، وللزيادة بعده، فإن اجتمعت الزيادة والنقصان فقبل السلام، وإن قدَّم البعدي أجزأه، وقيل: يعيده بعد، وإن أخَّر القبلي فأولى بالصحة.
(المسألة الثانية)
في حكمه سجود السهو واجب، وقيل: سنة، وقيل: يجب القبلي خاصة، فإن نسي البعدي سجده متى ذكره ولو بعد شهر، وإن نسي القبلي سجد ما لم يطل أو يحدث، فإن طال أو أحدث بطلت الصلاة على المشهور، وقيل: إنما تبطل إن كان عن نقص فعل لا قول، فإن ذكر البعدي في صلاة تمادى وسجد بعدها، وإن ذكر القبلي فهو كذاكر صلاة في صلاة.
(المسألة الثالثة)
في صفة السجود يكبر للسجدتين في ابتدائهما، وفي الرفع منهما، واختلف هل يفتقر البعدي إلى نية الإحرام، ويتشهد للبعدي ويسلم، وأما القبلي فإن السلام من الصلاة يجزئ عنه، وفي التشهد له روايتان.
(المسألة الرابعة)
إن سها الإمام أوالفذ سجد، وإن سها المأموم وراء الإمام سهواً يوجب السجود لم يسجد لأن الإمام يحمله عنه، ولا يحمل عنه نقص ركن من أركانها غير الفاتحة، ويسجد المأموم لسهو إمامه وإن لم يسه معه إذا كان قد أدرك ركعة فإن لم يدرك لم يسجد معه، وقال سحنون: يسجد.
(المسألة الخامسة)
المسبوق إن سها بعد سلام الإمام سجد، وأما سهو إمامه فإن كان قبلياً سجد معه وإن كان بعديا أخَّره حتى يفرغ من قضائه، واختلف هل يقوم لقضائه إذا سلم الإمام أو ينتظره حتى يفرغ من سجوده.
(المسألة السادسة)
من سها يسبح له، ويجوز كلام الإمام والمأموم والسؤال والمراجعة لإصلاح الصلاة في المشهور، وقال ابن كنانة: تبطل به الصلاة، وقال سحنون: إنما يجوز في السلام من ركعتين كحديث ذي اليدين.

موجبات السجود، وهي: إما زيادة، أو نقصان، أو شك:
أ- فأما الزيادة ففيها خمس مسائل:
(المسألة الأولى)
في زيادة الفعل فإن كان كثيراً جداً بطلت الصلاة مطلقاً ولو وجب كقتل حية أو عقرب وإنقاذ أعمى أو نفس أو مال، وحَدُّ الكثير الذي من جنس الصلاة مثل الصلاة، وقيل: نصفها.
وإن كان يسيراً جداً فمغتفر كابتلاع شيء بين أسنانه والتفاته ولو بجميع خده إلا أن يستدبر القبلة وتحريك الأصابع لحكة.
وما فوق اليسير (الوسط) إن كان من جنس فعل الصلاة كسجدة أبطل عمده وسجد لسهوه.
وإن كان من غير جنسها اغتفر ما كان للضرورة كانفلات دابة أو مشى لسترة أو فرجة، وفي غير ذلك البطلان في العمد والسجود في السهو.
(المسألة الثانية)
في زيادة القول إن كان سهواً من جنس أقوال الصلاة فمغتفر، وإن كان من غيرها سجد له، أو لإصلاحها فجائز، خلافاً لابن كنانة، وغير ذلك مبطل وإن وجب.
(المسألة الثالثة)
في ما يشبه القول فالنفخ غير مبطل، وقيل: يبطل عمده ويسجد لسهوه، والبكاء خشوعاً حسن وإلا فهو كالكلام، والأنين كالكلام إلا أن يضطر إليه، والقهقهة تبطل مطلقاً، وقيل: في العمد، والتبسم مغتفر، وقيل: يسجد له بعد السلام لأنه زيادة، وقيل: قبل السلام لنقص الخشوع، والتنحنح لضرورة لا يبطل ودونها فيه قولان، وقراءة كتاب إن حرك به لسانه كالكلام وإلا فمغتفر إلا أن يطول.
(المسألة الرابعة)
من قام إلى ركعة زائدة في الفريضة رجع متى ذكر وسجد بعد السلام، وكذلك يسجد إن لم يذكر حتى سلم فإن كان إماماً فمن اتبعه من المأمومين عالماً عاقداً بالزيادة بطلت صلاته، ومن اتبعه ساهياً أو شاكاً صحت صلاته، ومن اتبعه جاهلاً أو متأولاً فيه قولان، ومن لم يتبعه وجلس صحت صلاته، فإن كان قيامه لموجب كإلغاء ركعة يجب قضاؤها فمن أيقن بالموجب أو شك فيه وجب عليه اتباعه فإن لم يتبعه بطلت صلاته، ومن أيقن بعدمه لم يجز له اتباعه فإن اتبعه بطلت.
(المسألة الخامسة)
من قام إلى ثالثة في النافلة فإن تذكر قبل الركوع رجع وسجد بعد السلام، وإن تذكر بعد الرفع أضاف إليها ركعة وسلم من أربع وسجد بعد السلام لزيادة الركعتين، وقيل: قبله لنقص السلام في محله، وإن تذكر وهو راكع فقولان بناء على عقد الركعة هل هو بالركوع أو بالرفع منه.

ب- وأما النقصان فينقسم إلى نقص: ركن أو سنة أو فضيلة أو هيئة
:
فإن نقص ركناً عمداً بطلت صلاته، وإن نقصه سهواً جبره ما لم يفت محله، فإن فات ألغى الركعة وقضاها إلا في النية وتكبيرة الإحرام.
وإن نقص سنة مثل سورة مع أم القرآن في الركعتين الأوليين والإسرار والجهر ساهياً سجد لها، وإن نقصها عمداً سجد لها أيضاً، وقال ابن القاسم: لا شيء عليه، وقيل: تبطل لتهاونه.
وإن نقص فضيلة كالقنوت وسجود التلاوة، أو هيئة كرفع اليدين وصفة الجلوس وما أشبهه فلا شيء عليه.
والجاهل اختلف فيه في جميع المسائل هل يلحق بالناسي أو بالعامد.

أما نقص الأركان ففيه خمس مسائل
:
(المسألة الأولى)
في الإحرام فمن نسي تكبيرة الإحرام أو شك فيها إن كان فذاً أو إماماً قطع متى ذكر وأحرم وابتدأ.
وإن كان مأموماً فله ثلاثة أحوال:
إن كبر للركوع ونوى به الإحرام أجزأه.
وإن كبر للركوع ولم ينو به الإحرام تمادى مراعاة للخلاف ثم أعاد.
وإن لم يكبر للركوع ولا للإحرام قطع وكبر وابتدأ ولم يحتسب بما مضى.
(المسألة الثانية)
في الفاتحة من نسي الفاتحة إن كان مأموماً فلا شيء عليه.
وإن كان إماماً أو فذاً فإن نسيها من الصلاة كلها بطلت صلاته، وإن نسيها من ركعة فأكثر فقيل: يعيد الصلاة، وقيل: يلغي الركعة ويقضيها، وقيل: يسجد للسهو.
(المسألة الثالثة)
في الركوع والسجود من نسي ركعة أو سجدة وهو إمام أو فذفإن فات محلها ألغى الركعة وقضاها بكمالها، وإن أدرك محلها أتى بها ويدركها ما لم يعقد الركعة التي تليها على الاختلاف هل تنعقد بالركوع أو بالرفع منه، وإن كان مأموماًأتى بها وأدرك الإمام ما لم يقم الإمام إلى الركعة الثانية، وقيل: يدركه ما لم يرفع رأسه من الركعة الثانية، وقيل: يلغيها. فإن كان سهو المأموم عن السجود في الركعة الأخيرة أدركه ما لم يسلم الإمام.
**(تنبيه)**
وهذا حكم المأموم متى ترك الركوع أو السجود لسهو، أو نعاس يغلب عليه، أو زحام حتى لا يجد أين يركع أو يسجد، ولا يجوز في المذهب أن يسجد في الزحام على ظهر أخيه.
(المسألة الرابعة)
في السلام من نسي السلام فإن طال أو انتقض وضوءه بطلت صلاته، وإن لم يطل ولم ينتقض وضوءه رجع إلى الجلوس فسلم وسجد بعد السلام إن كان قد قام أو حول وجهه من القبلة، ويرجع بتكبير على المشهور، وهل يكبر جالساً أو قائماً قولان، وهل يتشهد قبل هذا السلام قولان، وإن شك في السلام سلم ولا سجود عليه.
(المسألة الخامسة)
من سلم قبل تمام صلاتهعامداً بطلت صلاته، وإن كان ساهياً رجع فأتم صلاته وسجد لسهوه، ورجوعه بغير تكبير إن قرب، وإلا فقولان، وإذا كبر فهل يكبر جالساً أو قائماً قولان، وإذا كبر قائماً فهل يجلس ثم ينهض لإتمام الصلاة أو لا يجلس قولان، وإن شك في تمام صلاته فسلم بطلت وإن ظن أنها تمت فسلم رجع لإتمامها، ومن سلم قبل إتمام إمامه عامداً بطلت صلاته، فإن كان ساهياً أو ظن أن الإمام قد سلم رجع ثم سلم.

وأما نقص السنن ففيه خمس مسائل:

(المسألة الأولى)
من نسي السورة التي مع أم القرآن سجد قبل السلام في المشهور، وقيل: لا يسجد بناء على أنه هل يسجد للسنن التي هي أقوال أم لا وهذا في الإمام والفذ وأما المأموم فلا سجود عليه.
(المسألة الثانية)
اختلف في سجود من ترك التكبير غير الإحرام أو سمع الله لمن حمده أو أبدل التكبير بالتحميد أو عكس وذلك مبني على هل يسجد للأقوال أم لا، إلا أنه لا يسجد في المرة الواحدة من ذلك كله لخفته على المشهور.
(المسألة الثالثة)
من أسر فيما يجهر فيه سجد قبل السلام على المشهور، وقيل: بعده، ومن جهر فيما يسر فيه سجد بعد السلام في المشهور، وقيل: قبله. وهذا في السهو فإن تعمد ترك الجهر والإسرار ففيه ثلاثة أقوال: البطلان، والسجود، والإجزاء دون سجود. ويغتفر الجهر بآية واحدة ونحوها.
(المسألة الرابعة)
من نسي الجلسة الوسطى سجد لها قبل السلام ثم إنه إن ذكر قبل أن يفارق الأرض بيديه أمر بالرجوع إلى الجلوس فإن رجع فلا سجود عليه في المشهور لخفته، وإن لم يرجع سجد وإن ذكر بعد مفارقته الأرض بيديه لم يرجع على المشهور، فإن رجع فاختلف هل يسجد أم لا، وإن لم يرجع سجد وإن ذكر بعد أن استقل قائماً لم يرجع وسجد للسهو فإن رجع فقد أساء ولا تبطل صلاته على المشهور، إلا أنه اختلف هل يسجد بعد السلام لزيادة القيام أو قبله لجمعه بين زيادة القيام ونقص الجلسة من محلها.
(المسألة الخامسة)
من نسي التشهدين أو أحدهما وكان قد جلس له سجد قبل السلام على المشهور، وقيل: بعده لخفة الأقوال، وقيل: لا يسجد بناء على ترك السجود للأقوال. ولا سجود على من ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في المشهور.

جـ- وأما الشك
فإن كان مستنكحاً بنى على أول خاطريه، وهل يسجد أو لا قولان، وعلى القول بالسجود فهل يسجد قبل السلام أو بعده قولان.
وإن كان صحيحاً فإن شك في النقصان فهو كمتحققه، وإن شك في عدد ركعاته كمن لم يدر أصلى ثلاثاً أم أربعاً بنى على الأقل وسجد بعد السلام في المشهور، وقيل: قبله.
(فرع):
إذا شك المصلي أخذ بإخبار عدلين، وقيل: عدل، وإن تيقن لم يرجع إلى خبر غيره إلا إن كانوا جماعة يحصل بهم اليقين.
ــــــــــــــــــ
* من كتاب القوانين الفقهية [ما استغلق علي تصور مسألة في المذهب إلا وجدت مفتاحها في هذا الكتاب]، لابن جزي بتصرف، حيث حذفت ما كان من الأقوال خارج المذهب، وأضفت نتفاً من معونة القاضي عبد الوهاب، وعدلت بعض العبارات ليستقيم النص، والله من وراء القصد.
** عن المقدمات الممهدات، لابن رشد: 1/86.